الأربعاء، ٢ يونيو ٢٠١٠

يا عم يوسف، قم احمل سريرك واذهب إلى بيتك

                                                                                    20
أصبحت اليهودية والجليل على صفيح ساخن. الحراك السياسي والاجتماعي على أشده والصدام بين الثقافة اليهودية الراسخة والثفافة اليونانية الرومانية السائدة في العالم يصبح أكثر فأكثر حقيقة واقعة وذلك بسبب اتساع شبكة الطرق الرومانية وقوة السلام الروماني الذي يؤمن هذه الطرق ويجعل الإمبراطورية الرومانية التي تشمل أغلب العالم بمثابة قرية صغيرة. هذا جعل الثقافة الرومانية في حالة حوار وربما صدام مع كل الثقافات المحلية.

بعد موت هيرودس الكبير الذي ملك لفترة طويلة تصل إلى ثلاثة وثلاثين سنة من سنة 37 قبل الميلاد حتى سنة 4 ميلادية، وقام بعدة مشاريع إنشائية ضخمة أهمها إعادة بناء الهيكل القديم الذي سمي الهيكل الثاني أو هيكل هيرودس. كما قام أيضاً بتحديث البنية التحتية لكل فلسطين بعد أن استلمها مهلهلة من سابقه. وبالرغم من أن هيرودس بنى الكثير من المباني وشق الكثير من الطرق والكباري، إلا أنه لم يبن حياة سياسية سليمة بل في عصره الطويل استشرى الفساد في فلسطين كما لم يستشر من قبل وتحكمت في مقدرات الأمة قلة من رجال الأعمال الانتهازيين. كان هيرودس الملقب بهيرودس الكبير عميلاً صريحاً للرومان وحامياً لمصالحهم في هذه المنطقة من العالم.

بعد وفاة هيرودس انقسمت المملكة وأصبح أرخيلاوس ملكاً على اليهودية وأورشليم، بينما ملك هيرودس انتيباس على الجليل مكملاً الحقبة الهيروديسية في الحياة السياسية اليهودية بنفس مساوئها وخطاياها فاستمر يبني ويقيم المشاريع بينما حياة الناس تتدهور من سيء إلى أسوأ والاعتصامات والاحتجاجات تجتاح البلاد وليتها كانت مطالبات بالحرية والديمقراطية و تطهير البلاد من الفساد، فهي لم تكن سوى مطالبات بعودة عمال إلى وظائفهم أو زيادة مرتبات أو تعديل أوضاع وظيفية. لم يعد سواد الشعب الجليلي يقوى أن يحلم باالتغيير والإصلاح فهذه أحلام تقتصر على الصفوة. أما الغالبية العظمى من الشعب فاكتفت بأحلام زيادة المرتبات لكي يستطيعون مواصلة الكفاح اليومي خلف "لقمة العيش". حتى ثورات شباب الفريسيين المحدودة التي اندلعت بعد القبض على يوحنا المعمدان قد تم إخمادها ببعض القرارات السياسية المعدّة لترضية المتدينين مثل إطلاق يد الهيكل لمصادرة الروايات والكتابات الأدبية التي يرى شيوخه أنه لا تحترم الدين. مهما حدث، كانت الحياة في الجليل واليهودية تستطيع دائماً أن تعود لاستقرار الخمول الذي يتيح لكل المنتفعين أن يكملوا أقتياتهم على جسد الأمة المريض.

عندما اقترب عيد الحصاد وهو أحد الأعياد الثلاثة الهامة التي كان على الجميع فيها أن يحج إلى أورشليم، بدأ يسوع يعد للصعود إلى أورشليم وقرر أن ياخذ معه يوحنا بن زبدي لمعرفته بالمدينة وعلاقاته المتعددة بشيوخ اليهود هناك. كان يسوع يعلم أن الذهاب غلى أورشليم معناه الدخول في مناقشات فقهية مع شيوخ اليهود فكان عادة قبلها يصوم ويقضي عدة ليال في الصلاة حتى الصباح لكي يكون الله معه في هذه الحوارات ليشهد عن الحق.

قبل أن يذهب يسوع للهيكل لقضاء مناسك العيد، قرر في صباح السبت أن يذهب إلى بركة بيت حسدا (أي بيت الرحمة، أو بيت النعمة) وهي كانت بركة كبيرة من خمسة أروقة وتقع عند باب من أبواب المدينة القديمة يسمى باب الضأن (أو باب الخراف). وقد بدأ تاريخ هذه البركة في القرن الثامن قبل الميلاد عندما تم بناء سد على وادي بيت زيتا العميق لكي يحوله إلى مستودع لمياه المطر. و مع الوقت وتغلغل الديانات الرومانية الوثنية بدأت تستخدم كمعبد روماني للإله اسكليبيوس يأتي إليه الناس ليطلبوا الشفاء. وكان بعض اليهود أيضاً يمزجون هذا الإيمان الوثني بإيمانهم اليهودي ويصفوا اضطراب الماء في البركة بأنه ملاك من عند الرب يأتي ويحرك المياه فمن ينزل أولاً بعد تحريك المياه ينال الشفاء من مرضه.

لهذا السبب كان هناك جمهور كثير من مرضى بكل الأمراض وبالذات أمراض الشلل وضمور العضلات. وبالطبع كان الكثير من المرضى مصابين بالشلل الهستيري وبالذات من الشباب والنساء الذين يعانون من اضطرابات نفسية وأسرية وكان بعضهم يشفون بسبب اعتقداهم الشديد في الشفاء.

ذهب يسوع إلى هناك وصار يتمشى عند البحيرة ولم يعرفه أحد لأن صيته لم يكن قد ذاع في أورشليم بعد. تأمل يسوع الجالسين والجالسات حول البركة وحركاتهم الهستيرية فمال نحو إنسان طاعن في السن ساقاه مشلولتان وضامرتان تماماً كساقي طفل صغير.

ـ صار لك اليوم ثمان وثلاثون سنة بهذا المرض أليس كذلك؟

فتح الرجل عيناه الذابلتان وبهما نظرة استغراب أعادت بعض الحياة لوجهه الذي يكاد يخلو من أي أثر لها.

ـ وكيف عرفت؟ أنت لست من هنا ملابسك ولغتك تقول أنك جليلي.. ورجل دين. أهناك رجال دين في الجليل؟

ـ لا عليك من الجليل. قل لي، هل تريد أن تبرأ؟

حرك الرجل ركن فمه الأيمن وأغمض عينيه اليمنى قليلاً في سخرية ولم يجب.

ـ لم تجبني.. أتريد أن تبرأ؟

ـ يا سيد ليس لي إنسان يلقيني في البركة متى تحرك الماء بل بينما أن آت، ينزل قدامي آخر. هل لك أن تمكث بجانبي وتحملني، أو حتى تدفعني وتلقيني عندما يتحرك الماء؟

ـ يا عم يوسف، قم احمل سريرك واذهب إلى بيتك

ـ ماذا؟

ـ قلت لك قم احمل سريرك واذهب إلى بيتك واستدفئ في فراشك

ـ هل تمزح معي؟ هل ترى ساقاي؟

ـ نعم أراهما.

ومال يسوع حتى أصبح جالساً القرفصاء أمام الرجل وراح يدلك ساقيه وبينما هو يدلكهما إذا بهما ينميان ويعودان تدريجياً إلى الحجم الطبيعي لشيخ في سنه.

صاح الرجل

ـ ساقيّ! يا إلهي.. يا إلهي نار تسري في ساقيّ ماذا تفعل بي؟ يا إلهي آآآه النجدة. هذا الرجل يحرق ساقيّ فتجمع الناس ورأوا ما يحدث ثم تعالت صرخات الدهشة من الجميع ويسوع يسند الرجل ليقوم ثم يعاونه لكي يحمل فراشه ويذهب إلى بيته بعد أن عاش سنوات طويلة كعلامة مميزة من علامات البركة.



بينما كان عم يوسف يحمل سريره تساقطت من السرير بعض من قطع النقود الصغيرة التي كان الزوار يلقونها بها إليه فلم يعبأ بها وحمل سريره ومشى وسط صيحات البعض وهمهمات البعض الآخر. من هو هذا. ألعل الملاك جاءنا في صورة بشرية بدلاً من أن يحرك الماء؟ بعض الرومان قالوا لقد تجسد الإله اسكيليبوس وذهب بعض منهم ليحضروا ذبيحة ليذبحوها لذلك الإله في البركة احتفالاً بما حدث.



وفي طريقه للخروج من البركة اعترض الرجل بعض شباب الفريسيين الملتحين ومنعوه من الاستمرار.

ـ أيها الشيخ الكافر المخرف. ماذا تفعل؟

ـ ذاهب إلى بيتي

ـ اليوم سبت أيها الزنديق كيف تحمل سريرك في يوم السبت. الق السرير واجلس وإلا أخذناك للشرطة الدينية، هل فهمتش؟

ـ لكن يا ولدي رجل دين هو الذي قال لي أن أفعل ذلك بعد أن شفاني. ألست تعرفني. أنا عم يوسف مشلول بيت حسدا. الكل يعرفونني. لي ثمان وثلاثين سنة هنا. أنا أعرفك يا شمعي لقد كنت تأتي وأنت طفل صغير مع أمك التي كانت تحاول أن تشفى من الداء الذي أصابها في أصابع يديها. ألا تذكرني لقد كانت تتركك معي لتنزل إلى البركة.. المسكينة. كيف حالها؟

ـ لا عليك بأمي أيها الشيخ الزنديق كاسر السبت. لا تنطق بسيرة أمي أيها الكافر

ـ ماذا جرى لك يا شمعي يا ولدي؟

صرخ شمعي:

ـ لا تقل ولدك!

وبدأوا يضربونه لكي يلقي بسريره. فألقى بالسرير واستلقى عليه حتى ينتهي السبت فيعود إلى بيته.



كانت هذه بداية صدام يسوع مع الفريسيين بشأن السبت. صدام سيتكرر كثيراً

ـ
 
google-site-verification: google582808c9311acaa3.html