السبت، ٢٦ سبتمبر ٢٠٠٩

يسوع في الهيكل








6
نزل يسوع إلى أورشليم في زيارته الأولى فوجدها تغيرت كثيراً عما كانت عندما كان طفلاً. الشوارع أصبحت أكثر ازدحاماً. وجوه الناس أصبحت متربة مكفهرة ونادراً ما يرى ابتسامة على الوجوه. وعندما كانت تلتقي عيناه بعيني أحد المارة في الشوارع المزدحمة فيبتسم محيياً نادراً ما كان يرد تحيته أحد بل في بعض الأحيان كان يتلقى نظرات حادة مستهجنة من المارة إن كانت امرأة كانت تظنه يتحرش بها وإن كان رجلاً كان يظنه مثلياً يحاول الإيقاع به!
ما بك يا أورشليم؟
ماذا دهاك؟
لماذا يا مدينة الصلاة لم تعودي مدينة السلام؟ لماذا لم تعد صلاتك تعطيك سلاماً؟

كلما اقترب يسوع من الهيكل كلما زادت كثافة الزحام فموسم الحج على وشك أن يبدأ وتعداد أورشليم يتضاعف ربما أربعة أو خمسة مرات خلال هذه الأيام. وأهل أورشليم بالرغم من ضيقهم بهذا الزحام إلا أنه فرصتهم السنوية لمزيد من الرواج ودخول العملة الصعبة القادمة مع الحجيج من كل البلاد الخاضعة للإمبراطورية الرومانية.

أورشليم وكل اليهودية والجليل تختبر حراكاً سياسياً واجتماعياً وروحياً شديداً وبين التطرف في الإيمان وفي الشك. في التزمت وفي التحرر. بين الدين "الرسمي" والحركات الروحية المتعددة تتقلب وجوه الناس في السماء بحثاً عن الله.

الصدوقيون وهم طائفة الكهنة الذين لا يؤمنون إلا بأسفار التوراة الخمسة ويحفظون طقوس الذبائح في الهيكل هم الذين يمثلون الدين الرسمي ومعروف عنهم تواطئهم مع الحكومة واشتراكهم معها في نفس درجة الفساد وحب المال. منهم بالطبع نيافة الحبر الجليل رئيس الكهنة شيخ الهيكل الأكبر ومفتي الديار اليهودية. هؤلاء بالرغم من سيطرتهم على الحياة الدينية الطقسية للشعب من تقديم الذبائح المختلفة تكفيراً عن الخطايا ومراعاة الحج والأعياد وبالذات العيد الأكبر. عيد ضحية الفصح الذي يأتيه الحجيج من كل بقاع الأرض إلا أن الشعب لا يثق بهم ولا يستمع إلى فتاواهم وأحكامهم. كانت طائفة الصدوقيون تمثل الطائفة الليبرالية التي تقيم الطقوس والشرائع في العلن لكن إيمانها يميل إلى المادية لذلك كان هي الطائفة المفضلة لرجال الأعمال ورجال الدولة الذين يرون أنهم إذا أدوا الصلوات في أوقاتها وأدوّا عشور الزكاة وحجوا البيت العتيق فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون. كان الصدوقيون يؤمنون أن النفس تموت مع الجسد ولا توجد قيامة أموات ولا خلود بعد الموت. لم يؤمنوا بوجود الملائكة أو الشياطين أو أي كائنات غير منظورة وإنما وكانوا يؤمنون أن الله يبارك الإنسان الصالح بركة مادّية هنا في الأرض وكفى. وبالتالي يكون الثراء الماديّ هو علامة رضا الله سبحانه وهذا بالطبع كان يوافق ميلهم للسلطة والشهرة وجمع المال.
هكذا سيطر الصدوقيون على الهيكل ورجال الأعمال على الاقتصاد ورجال السياسة على الحكم وكان وشائج الصلة والمنافع المشتركة وأيضاً المصاهرة شديدة القوة بين هذه الطوائف الثلاث في فلسطين القرن الأول الميلادي.

أما الفريسيون فهم الذين يؤمنون بكل الكتاب من توراة وأنبياء وأحاديث يهودية عديدة وتفسيرات شديدة الدقّة لكل أمور الحياة كما أنهم ادعوا وجود تقليد سماعي عن موسى تناقله الخلف من السلف وزعموا أنه معادل لشريعته المكتوبة. من حيث العقيدة كانوا يؤمنون بخلود النفس وقيامة الجسد ووجود الأرواح والجنة والنار، غير أنهم حصروا الصلاح في طاعة الناموس فجاءت دياناتهم ظاهرية وليست نابعة من القلب. كانت هذه الطائفة من الدعاة هي الأقرب للشعب فكان الناس يسألونهم عن أمور دينهم ودنياهم فامتلأت القنوات الفضائية بهؤلاء الفريسيين وراح الناس يستفتونهم في كل أمور حياتهم من قضاء الحاجة إلى مباشرة النساء. وكلما مارس هؤلاء الفريسيون غلواً شديداً في التحريم والتكفير، وكلما زادت كراهيتهم لنظام الحكم واتهامه بالفسق والفجور، كلما ازداد تعلق الناس بهم لكونهم يرون فيهم ما يتناقض مع فساد السلطة السياسية والدينية والدوائر المحيطة بها من رجال المال والأعمال والفن وأعلام المجتمع اليهودي. لهذا السبب كان كل من يريد قبولاً من الشعب يظهر "التزامه" الديني بفروض الفقه الفريسي ويعلن ارتباطه بنجوم الدعاة الفريسيين الذين ظهرت منهم مؤخراً طبقة حديثة تستخدم لغة عاطفية بسيطة تصل إلى قلوب الشعب لكن يظل مضمون تعليمهم فريسياً متشدداً.
وكان من بين الفريسيين أيضاً جماعة أو جناحاً عسكرياً يسمى جماعة الغيوريين. هؤلاء الغيوريون يميلون إلى تحقيق ملكوت المسيح بقوة السلاح وذلك للإسراع بمجيء المسيح بطلاً سياسياً وعكسرياً يحرر اليهود من الرومان ويعيد أمة الخلافة اليهودية من النهر إلى البحر مظهراً دين الله على الدين كله ولو كره الغرب الروماني الكافر. لذلك كانوا بين الحين والآخر ينظمون عمليات إرهابية فيها يختطفون أو يغتالون أحد السياسيين أو الكتاب المتحررين. أو يفجرون أنفسهم في إحدى الحافلات السياحية أو أحد المقاهي المنتشرة حول الحرم أثناء الموالد اليهودية المختلفة.

وسط هذه الخريطة الدينية تاقت أرواح الناس وبخاصة الشباب الذين يبحثون عن الصدق والحقيقة إلى خبرة روحية حقيقية تقرب الإنسان من الله ومن أخيه الإنسان وتعطيه معنى جديداً لحياته متحرراً من الدين الرسمي والشعبي على حد سواء. تاقت القلوب إلى علاقة روحية شخصية مباشرة بالله بعيداً عن تقاليد الدين وتسلط رجاله على الناس. وقد ظهر هذا الشوق لله وللخبرة الروحية في صور عديدة منها من ظل متمسكاً باليهودية ولكن في صورة أخرى تبحث عن الله بعيداً عن فساد الدين الرسمي من ناحية والتشدد والتزمت من ناحية أخرى والعنف والإرهاب من ناحية ثالثة. ومنها من كفر باليهودية تماماً وذهب وراء الديانات السرية ذات الأصول الوثنية.
من بين حركات التجديد الروحي اليهودية التي قامت في القرون الميلادية الأولى حركة الآسينيين الذين يقال أنهم تفرعوا من الكهنة الصدوقيين رافضين ديانتهم المادّية وعاشوا في مجتمعات صغيرة في الصحراء حياة صوفية من النسك والفقر الاختياري ممتنعين عن الزواج أو أي من مباهج الحياة. من بين الآسينيين جماعة وادي قمران وغيرهم عاشوا متوحدين في أنحاء متفرقة من صحراء اليهودية.
أما الديانات السرية فكانت عديدة أهمها كانت ديانة مثرا التي كانت شائعة بالذات داخل الجيش الروماني من القرن الأول إلى الرابع الميلادي وهي منسوبة للإله الفارسي مثرا المولود من صخرة. و تتم عبادة مثرة في معابد سرية تحت الأرض ومن ينضم لهذه الجماعة عليه أن يمارس طقوس خاصة فيها يقوم بذبح ثور والشرب من دمه والاغتسال بهذا الدم إيذاناً بولادته من جديد في الدين المثرائي ثم بعد ذلك يرتقي الداخل في هذا الدين سبعة رتب في الجماعة بقدر وفاءه بالطقوس والعهود. كانت هذه الديانات السرّية تقدم للناس خبرة خاصة وتشبع احتياجاهم للعلاقات الحميمة وللدخول في مجتمع آخر غير المجتمع الذي يشعرون بفساده واليأس من تغييره.



كان البناء في "مول" الحرم لا يزال في مراحله الأولى والرمال والزلط وأكياس الأسمنت في كل مكان واختلط صوت خلاطات الخرسانة بأصوات التسابيح الخاصة بالعيد. مئات الحجاج من كل حدب وصوب يتحركون في جماعات تستطيع تمييز ملابسها من غيرها من الجماعات بحسب البلاد الذين قد أتوا منها. من فرس وعرب من شبه الجزيرة، وأيضاًِ سوريون وعراقيون من الساكنين بين النهرين كما كان هناك أيضاً يهود من شتات آسيا الصغرى ومن شمال إفريقيا من مصر و ليبيا ونواحي تونس والمغرب ومن بلاد الحبشة وغيرها من البلدان الإفريقية.
أما الدخلاء من غير اليهود من الرومان واليونايين وغيرهم الذين أتوا من بلاد الإمبراطورية المختلفة مع جيرانهم اليهود ليتعرفوا على عبادة الله الواحد في أورشليم فلم يستطيعوا الدخول لمتابعة العبادة من داخل الهيكل بسبب استغلال الكهنة لرواق الأمم كمكان لتغيير العملة وبيع الذباح فوقفوا في الخارج مكتفين بسماع الأناشيد والتراتيل.
مال يسوع على أحد الدخلاء وهو رجل إفريقي ذو بشرة داكنة يحاول أن ينطق الكلمات العبرانية الصعبة ممسكاً بكتاب صغير فيه بعض تسبحات العيد.
ـ من أين أنت يا صديقي؟
ـ أنا من الحبشة
ـ أهلاً بك في بيت الله. بيتك.
ـ بيتي؟
ـ نعم بيت الله هو بيت الصلاة لجميع الأمم
ـ ظننت أننا غير مقبولين هنا ولا يمكننا الدخول حتى لا ننجس الهيكل، بل أني سمعت أن كهنتكم سيحرمون علينا دخول أورشليم وسوف ينشأوا طريقاً يدور حولها لكي لا نضطر أن ندخل أورشليم أثناء سفرنا إلى الجليل أو السامرة.
ـ نعم أعلم ذلك
ـ وعلمت أيضاً أنهم سوف يسمونه "طريق الكفار"
ـ ليست هذه مشيئة الله يا صديقي
ـ كيف ليست هذه مشيئة الله؟ أليست هذه توجيهات الكهنة الذين من المفترض أنهم يقرأون الكتب ويعرفون مشيئة الله.
ـ الكتاب يقول في نبوة إشعياء: «وَأَبْنَاءُ الْغَرِيبِ الَّذِينَ يَقْتَرِنُونَ بِالرَّبِّ لِيَخْدِمُوهُ وَلِيُحِبُّوا اسْمَ الرَّبِّ لِيَكُونُوا لَهُ عَبِيداً كُلُّ الَّذِينَ يَحْفَظُونَ السَّبْتَ لِئَلاَّ يُنَجِّسُوهُ وَيَتَمَسَّكُونَ بِعَهْدِي آتِي بِهِمْ إِلَى جَبَلِ قُدْسِي وَأُفَرِّحُهُمْ فِي بَيْتِ صَلاَتِي وَتَكُونُ مُحْرَقَاتُهُمْ وَذَبَائِحُهُمْ مَقْبُولَةً عَلَى مَذْبَحِي لأَنَّ بَيْتِي بَيْتَ الصَّلاَةِ يُدْعَى لِكُلِّ الشُّعُوبِ» (إشعياء 56: 6-7)
- يبدو أنك أنت أيضاً رجل دين ما اسمك؟
ـ اسمي يسوع الناصري وما اسمك أنت؟
ـ اسمي أريرو تعال أعرفك بأصدقائي. نحن كثيرون هنا
ذهب يسوع مع أريرو ووجد جماعة كبيرة كلهم يحاولون متابعةالعبادة من بعد فاضطربت روح يسوع فيه وبدأ غضبه يزداد فجذب أحد الحبال التي كانوا يستخدمونها في رفع آنية الأسمنت للأدوار العليا فتهاوى إناء الأسمنت وانسكب ما به صانعاً ضجيجاً كبيراً. وأخذ يسوع يجدل هذا الحبل سوطاً كبيراً واندفع به إلى داخل الهيكل قاصداً رواق الأمم.

ترى ماذا سيفعل يسوع في رواق الأمم؟ هذا ما سنعرفه في الحلقة القادمة من "مملكة الله"

الأربعاء، ٢ سبتمبر ٢٠٠٩

يسوع واليهود في أورشيم



بدأ الربيع يبعث الدفء في أنحاء الجليل بعد شتاء قاسي. بدأت أغصان الأشجار الجافة العارية تخرج براعم غضة زاهية الخضار تداعبها ريح الفجر الربيعي فتتأرجح كأطفال فطيمة تبدأ في تعلم المشي في خطوات متأرجحة سريعة ثم لا تلبث أن تتعثر وتسقط لكن إرادة الحياة تدفعها من الداخل لمواصلة المحاولة. خرجت العصافير من أعشاشها مع الصباح الباكر تحتفل بالدفء والنماء. وأصواتها التي تشبه مجموعة صفافير في أوركسترا هائلة بلا قائد، ترصع سماء الفجر الجليلي الطازج. الأسبوع الأول من شهر إبريل (نيسان). الفصح يقترب. وهو الفصح الأول ليسوع بعد تركه مهنة النجارة وانخراطه في الخدمة الروحية المتفرغة هو وتلاميذه.
كان يسوع معتاداً أن ينزل مع أمه مريم ويوسف واخوته للعيد كل سنة، و ذات مرة عندما كان في الثانية عشر لم يعد معهما للجليل ومكث في أورشليم. أما أبواه فلم يعرفا وظنا أنه معهما في القافلة العائدة للجليل يلهو مع الأطفال. وبعد مسيرة يوم كامل شعرا ببعض القلق.
ـ يوسف. أين يسوع؟ غريب أنه لم يأت ليبيت معنا في الخيمة
ـ لا تقلقي يا مريم، لعله بات مع سمعان والصبية الآخرين يلهون. أنت تعلمين لقد صار الآن مراهقاً. يجب أن نعطيه مساحة من الحرية.
ـ أنا قلقة يا يوسف. أنت تعرف. ليس هذا طبع يسوع. سأذهب لأفتش عنه
ـ سآت معك
ولما لم يجدا يسوع في القافلة مطلقاً، قررا العودة إلى أورشليم ومعهما بعض الرجال للبحث عن يسوع في أورشليم وظلا يبحثان في كل مكان وعندما غابت شمس اليوم الأول ولم يجداه استجرا غرفة في خان صغير لقضاء الليل وفي الصباح يواصلا البحث عن يسوع و لم يستطع أي منهما أن ينام هذه الليلة...

ـ ما لك يا مريم. هل تبكين؟
ـ ألعل هذا هو السيف الذي قال سمعان الشيخ أنه سيجوز في نفسي؟! ثم كيف يختفي يسوع هكذا؟ وأين الوعود التي صاحبت ميلاده؟ ألعلها كانت تهيؤات. ألعلها أمانينا نحن بالخلاص!
ـ اهدئي يا مريم.. سوف نجده.
ـ أين نجده لقد فتشنا أورشليم كلها. لماذا يعطيني الله ابناً بدون رجل، ثم يأخذه هكذا قبل أن يصير رجلاً؟
ـ نامي الآن وفي الصباح نجده بإذن الله.

أشرقت الشمس على أورشليم وهي تسيل بقوافل الحجيج النازلة من الهيكل المرتفع مغادرة المدينة المقدسة في جميع اتجاهات فلسطين ومنها من كان مقصده إلى أبعد كثيراً. يتنفس سكان أورشليم الصعداء بعد الزحام الرهيب الذي يعانون منه طوال الأسبوعين الأولين من شهر أبريل من كل سنة.

ـ لم يبق إلا الهيكل. هيا نذهب يا يوسف
ـ من غير المعقول أن يكون يسوع في الهيكل. أنت تعرفين أن الكهنة لا يسمحون لأحد بالبقاء في الهيكل بعد انتهاء مناسك الحج، فكم بالحري الأطفال.
ـ لا أعلم. قلبي يقول لي أنه في الهيكل.
ـ لنذهب على أي حال
دخل يوسف ومريم إلى الهيكل حيث كان اللاويون خدام الهيكل يقومون بنشاط بتنظيف الساحة الخارجية من دماء وبقايا الأضحيات قبل أن تتعفن. وحول أحد الأعمدة كانت مجموعة من الكهنة مجتمعة وكان يبدو عليهم الاهتمام كما لو كانت بينهم مناقشة حامية.
ـ مولانا. أليست الوصية الأولى في التوارة هي «اِسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ: الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ» كيف يقول داود في المزمور المائة والعاشر: قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي: «اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئًا لِقَدَمَيْكَ»؟ من هو "الرب" ومن هو ذاك الذي يدعوه داود "ربي"؟!
صمت الكهنة أمام سؤال كهذا يسأله صبي عمره لم يتجاوز الثانية عشر...
ـ لا تسأل عن هذه الأشياء يا فتى. أنت أصغر من أن نشرح لك هذه الأشياء. ثم.. ثم.. ثم لا تسأل عن أشياء من الممكن أن تزعزع إيمانك. اعرف شيئاً واحداً أن الله واحد واحفظ الوصايا. هيا. انصرف الآن.
ـ أعلم أن الله واحد. لكن.. آسف إن كنت قد أزعجتك يا مولاي.
خرج يسوع من وسط جماعة الكهنة فأبصره أبواه فجريا واندفعا نحوه واحتضناه وبكيا.
ـ يا بنيّ. لماذا فعلت بنا هكذا؟ هوذا أبوك وأنا كنا نبحث عنك معذبين!
ـ لماذا كنتما تبحثان عني؟ ألم تعلما أنه ينبغي أن أكون في بيت أبي؟
ـ ما هذا الذي تقوله؟ بيت أبيك في الناصرة. هل اشترى أبوك بيتاً في أورشليم؟! هل ستعود للكلام الذي لا نفهمه!
ـ أنا آسف يا أمي. سامحني يا أبي. لقد كنت أصلي ونسيت نفسي. إنني في الهيكل أشعر بشيء غريب. أشعر أن هذا مكاني وبيتي ولا أشعر أنني أحتاج لأن أذهب لأي مكان آخر. سامحاني
ـ وهل لم تخف لأنك لم تجدنا
ـ أنا آسف. لم أخف!
مضا يوسف ومريم مع الرجال الذين أتوا معهم وكان يسوع يمشي وحده وراءهما وذهنه شارد في اشياء يفكر فيها ولم يقلها لأحد.
ـ هل تعلمين؟ مرات أشعر أن هذا الولد ليس منا. إنه ليس مثلنا. وكأنه ابناً لشخص ليس من جنسنا!
ـ هل ستعود للشك يا يوسف؟
ـ لا يا مريم. أنا أصدقك. لقد ظهر لي ملاك الرب في رؤيا وقال لي عن حملك أنه من الله. لكنني لا زلت لا أفهم لماذا؟ لماذا يفعل الله هذا؟ هذا لم يحدث من قبل؟ وفي بعض الأحيان أحتار. أنا واثق في شرفك، لكن في بعض الأحيان أحتار، فأقرر أن أنسى الأمر وأتجاهله.
ـ حتى أنا، أحياناً أشك. لقد قال لي ذلك الرجل الذي كان يشبه الملاك أنه سيدعى "ابن العليّ" لكني لا أعلم كيف يكون إنسان ابناً لله! لقد ظننت فقط أنه سوف يكون مباركاً وتقياً. لكن يسوع ليس مجرد صبي متدين. بل به شيء غريب! في بعض المرات، حتى أنا، أشعر أنه ليس ابني. صحيح أنه يخضع لي ويطيعني. لكنني في مرات كثيرة أشعر كما لو كان هو الكبير وأنا الصغيرة!
يضحك يوسف ثم تخفت ضحكته وتتحول ملامحه للجد.
ـ تصوري. أنا أيضاً أشعر بذلك أحياناً!

إنه الآن أول عيد فصح بعد تمام يسوع الثلاثين وتفرغه للخدمة وانتقاله لكفر ناحوم. وهاهو يسوع ينزل إلى أورشليم للمرة الأولى بعد أن صار رسمياً رجل دين وانضم إلى طائفة الكتبة وهي طائفة معلمي الناموس والأنبياء.
ترى ماذا سيحدث في أول زيارة ليسوع وتلاميذه لأورشليم. هذا ما سنعرفه في الحلقة القادمة من "مملكة الله"
 
google-site-verification: google582808c9311acaa3.html