الخميس، ١٨ مارس ٢٠١٠

الشجرة المثمرة



13
عاد يسوع إلى كفر ناحوم بعد رحلة تعليمية ودَعَوية في قرى الجليل. و كان أحد الرجال الموسرين في كفر ناحوم قد نظم جلسة تعليمية في بيته الكبير نسبياً دعا إليها الكثير من الفريسيين ومعلمي الناموس الذين قد أتوا من كل قرية من قرى الجليل واليهودية وأورشليم. وعندما عرف الناس بوجود يسوع في هذا "المؤتمر" فاجتمع جمع كبير في البيت وحوله فتوقف يسوع عن الجدل الفكري اللاهوتي مع الفريسيين ومعلمي الناموس والتفت للجموع المتزاحمين حول البيت، وبدأ يعلمهم كعادته بلغة بسيطة وباستخدام الأمثال.
- يا إخوتي الدليل على أن التعليم من الله هو أنه يغير الحياة ويُصلح المجتمع. أما التعليم والدين والتدين الذي يظل قشرة جميلة تخفي تحتها كل الموبقات فهذا ليس سوى تخدير، والتخدير ليس من الله بل من إبليس. الله لا يُخَدَّر وإنما هو يغير. الثمر الصالح يدل على صلاح الشجرة والثمر الفاسد ينبئ عن جذورها الفاسدة. وسيأتي يوم توضع الفأس على كل الشجر الفاسد فيجتث ويزرع الله زرعاً صالحاً يثمر ثمراً يدوم. فافحصوا إذاً أشجار حياتكم ومن ثمارها تعرفونها. لا تحاولوا أن تلصقوا ثماراً صالحة من أعمال بر وتقوى على شجرة فاسدة الجذور فسوف تسقط وتعود الشجرة إلى ثمارها. افحصوا أصل الشجرة وجذرها. اجتثوا الشجر الفاسد المزروع في الأرض المالحة وازرعوا شجرة حياتكم الجديدة في أرض خصبة نظيفة.
- وكيف نعرف الأرض الخصبة من الأرض المالحة؟
- الأرض الخصبة تعلن عن نفسها بالأشجار المثمرة الموجودة فيها. فإن كان الثمر ينبئ بصلاح الشجر فالشجر المثمر ينبئ بصلاح الأرض المزروع فيها.
فجأة ظهرت مجموعة من الرجال أحدثوا هرجاً ومرجاً حيث كانوا يزاحمون وسط الجموع محاولين أن يصلوا إلى يسوع وهم يحملون إنساناً مشلولاً وعندما لم يقدروا أن يخترقوا الجموع ليصلوا إلى يسوع انسحبوا بعيداً.
عاد يسوع لتعليمه..
_ لا تلتفتوا إلى ما يقوله الناس بل إلى ما يفعلونه. سوف تجدوا الكثيرين أصحاب كلام عذب وحلو وبليغ لكن أعمالهم لا تتوافق مع كلامهم. ابحثوا عن الحقيقة ولا تنخدعوا بمعسول الكلام!

فجأة سُمعَ صوت قادم من سقف البيت الذي كان "المؤتمر" منعقد به وأدرك الجميع أن أناساً قد تسلقوا الجدران وبدأوا يعبثون بالسقف. لم يصدق البعض لكن بعد دقائق كانت فتحة كبيرة قد أُحدِثت بالسقف حيث كان هناك أربعة رجال فوق السقف يزيلون بهمة عروق الخشب وأعواد الشجر والنخيل المصنوع منها السقف محدثين جلبة شديدة وعاصفة من التراب ملأت البيت وأعمت عيون الجموع. تصايح الناس متذمرين ومهددين وخرج صاحب البيت مسرعاً لكي يستدعي الشرطة الرومانية. أما هؤلاء الرجال الأربعة فلم يوقفهم شيء حتى أكملوا الفتحة الكبيرة في السقف، ولدهشة الجميع بدأوا يدلون من السقف سريراً مربوطاً بأربعة حبال يمسك به كل واحد منهم. وعندما تدلى هذا السرير المصنوع من عروق الخشب والحبال والمفروش بسعف النخيل وجدوا عليه رجلاً هازلاً ضامر العضلات زائغ العينين يبدو عليه أنه مشلول بلا حراك لسنوات طويلة.
عندما استقر السرير أمام يسوع في وسط المنزل كان الرجل يملأه الخوف من الجموع الغاضبة المتذمرة التي أحاطت به ولم تطمأنه إلا نظرات يسوع الحانية وابتسامته الهادئة عندما قال:
- "يا بني مغفورة لك خطاياك!"
حدث صمت بين الجموع. التفت يسوع إلى بعض الكتبة الجالسين.
- لماذا تفكرون في قلوبكم أنني قد كفرت عندما قلت لهذا الرجل المسكين أن خطاياه مغفورة؟ أنا أعلم أن الذي يغفر الخطايا هو الله. ولكي تعلموا أن الله قد أعطاني هذا السلطان ها أنا أقدم لكم دليل كلامي.
- يا بُنَيَّ قم. احمل سريرك واذهب إلى بيتك\
نظر المفلوج إلى يسوع متعجباً
- كيف؟ أنا مفلوج لسنين. أنا لا أستطيع حتى الوقوف على قدميّ. كيف تقول لي أن أحمل سريري وأمشي ذاهباً إلى بيتي؟ لقد رأيت بعينيك كيف دلاني أصحابي من السقف. اشفني أولاً من شللي ثم عندئذ أستطيع أن أحمل سريري وأمضي.
- لقد شفيتك بالفعل ولكنك لن تختبر هذا إلا إذا صدقت وقمت. قُم وسوف تجد جسدك يقوم معك.
- بدأ المشلول يحاول. ووسط ذهول الجميع وقف وبدأ يخطو خطواتِ مرتعشة والجمع حوله يفسحون له ليس فقط لكي يمشي لكن لكي يشاهدوه. اقترب من الباب فصاح به يسوع.
- عد إلى هنا. ألم أقل لك أن تحمل سريرك؟ هل تنتظر أن يحمل لك الناس سريرك؟ أنت الآن قادر على حمل مسئوليات حياتك. هيا احمل سريرك وعد إلى بيتك وأهلك وعملك.

بهتت الجموع وتعجبوا وقالوا فيما بينهم أن هذا لم يُرَ قط من قبل. كيف يمكن لإنسان أن يكون له سلطان مغفرة الخطايا. إنه يساوي نفسه بالله! إنه كافر زنديق! وإن كان كذلك كيف يؤيده الله بالآيات والعجائب؟!
صار يسوع لغزاً كبيراً في كل اليهودية والجليل والناس منقسمة حوله بين مؤمن ومتحمس وكاره حانق ومتشكك حائر.

بعد معجزة المشلول كانت جموعاً أكثر تجتمع حول يسوع متى ذهب في أي مكان وذات مرة عندما اجتمعت جموع كثيرة حول يسوع وكان يريد أن يستريح قليلاً، أمر تلاميذه بأن يأخذوا سفينة صغيرة يستقلونها في بحر الجليل حتى يستطيع أن ينام قليلاً. كانت الطريقة الوحيدة للهرب من الجماهير للحصول على قسط قليل من الراحة هي النزول إلى البحيرة. وبعدما دخلوا إلى العمق بدأت الأمواج ترتفع وتتلاعب بالسفينة. حاول التلاميذ التحكم في الموقف ولم يفلحوا، و بدأوا يشعرون بالخوف.
قال أندراوس
ـ سمعان، لنوقظ المعلم، لنخبره بما يحدث
قال يوحنا
ـ لقد صارت له ثلاث ليال لم ينم يا أندراوس، لذلك لم يشعر بما يحدث، حرام علينا أن نوقظه الآن. ـ لكننا سوف نغرق كلنا نحن وهو. لعله يستطيع أن يفعل شيئاً. اذهب يا يوحنا أنت وأوقظه.
ـ أنا غير موافق يا سمعان، لكن لكونكما هكذا خائفين، سوف أوقظه.
ذهب يوحنا فأيقظ يسوع
قام يسوع وهو متضايق.
ـ ما بالكم هكذا خائفين يا قليليّ الإيمان؟ لماذا لم تطلبوا من الله فيوقف البحر والأمواج. أسألوا تعطوا، أطلبوا تجدوا، اقرعوا يفتح لكم، لأن كل من يسأل يأخذ ومن يطلب يجد ومن يقرع يُفتَح له. الله أب لكم. هل رأيتم أب يطلب منه أبوه خبزاً فلا يعطه أو يعطيه حجراً، أو يسأله سمكة فيعطه حية أو يسأله بيضة فيعطه عقرباً! كم بالحريّ أبوكم الذي في السموات. لقد اقترب منكم ملكوت الله، ألا تفهمون؟ لقد أعطاني الله علاقة خاصة به وأنا أريد أن أعطيها لكم ولكل من يصدقّني ويؤمن بي.
ـ نسى التلاميذ أنفسهم وهم يستمعون ليسوع ولم يلاحظوا أن البحر سكن والعاصفة هدأت، بينما كان يتحدث إليهم.

عندما عاد يسوع وتلاميذه إلى كفر ناحوم، كانت المعركة الانتخابية حامية الوطيس. فبالرغم من أن السيد شمعي قد حصل على ترشيح الحزب الثمين، وبالطبع ليس بلا مقابل، إلا أن بعض من أعضاء الحزب الحاكم الذين كانوا طامعين في الترشيح ولم يحصلوا عليه رشحوا أنفسهم مستقلين أمام شمعي وبدأوا في الإنفاق ببذخ على حملاتهم الانتخابية. وهم يعرفون ويعرف شمعي أيضاً أنهم إذا كسبوا الانتخابات سوف يعودون للانضمام للحزب، وسوف يكون رجوعهم ليس فقط مقبولاً وإنما محتفى به باعتبارهم قد نجحوا في الانتخابات ضد مرشح الحزب، مما يعني أن لهم ثقل في الشارع السياسي، ولذلك تركت الحكومة التنافس بينهم حراً بينما بطبيعة الحال ضيقت الخناق تماماً على المرشحين الآخرين الذين لا ينتمون للحزب.
الجدير بالملاحظة أن الشعب كان خارج هذه اللعبة تماماً لوعيه التام بأن الأمر محسوم مسبقاً وإن كان هناك صراع أو منافسة فكلا من الفائز والخاسر لم يخترهما الشعب. ولم يكن الشعب خارج الحياة السياسية فقط بل كان خارج الحياة الروحية أيضا، فبالرغم من التدين الشديد الذي يتميز به أهل كفر ناحوم إلا أن تدينهم لم يصنع أي فرق يذكر في أخلاقهم والطريقة التي كانوا يعيشون بها. فالسرقات منتشرة والفساد يسري في كل طبقات المجتمع. الكذب كان هو القاعدة بالرغم من الأقسام الغليظة بالله العظيم وبالدين وبالهيكل الشريف في أورشليم. التشدق مستمر بالأخلاق والتقاليد اليهودية بينما التحرش الجنسي يملأ الشوارع ووسائل المواصلات، ولا تصل من حالاته للجرائد سوى الحالات الصارخة التي يتم فيها محاولات اغتصاب. أما التحرش بالكلام والاحتكاك واللمس العابر ومسك الفتيات والسيدات من مناطق حساسة ثم الفرار بالهرب جرياً على الأقدام أو على صهوة دراجة فكانت أمور يومية شبه عادية، وعلى النساء أن تتجرع يومياً مرارة القهر والهوان.

المدرسون يضربون التلاميذ حتى الموت في المدارس ويخرجون فيهم كل ما بداخلهم من إحباط بسبب "الكادر" الجديد وغلاء المعيشة والقهر السياسي والاجتماعي والجنسي الذي يعانونه. أما الشعائر الدينية فكانت كلها تتم في مواقيتها في الهيكل وفي زوايا الشوارع بكل حماس والتزام، فلم يكن يستطيع أحد المزايدة على تدين كفرناحوم. حتى يسوع الناصري، ذلك المعلم الجديد تبعته الجموع من كل مكان تستمع إليه كما تستمع إلى كل واعظ أو معلم جديد في المجامع أو على الفضائيات.
كان يسوع يعلم أن كل هذه ليست سوى مظاهر فملك الله على القلب، كما كان يقول دائماً، يجب أن يترجم في الحياة كما تعلن الشجرة عن نوعها من خلال ثمرها. مهما قالت الشجرة أنها شجرة تفاح وهي لا تثمر إلا شوكاً، أفترى يصدقها أحد؟!
- متى صليت لا تكن كالمنافقين، فإنهم يحبون أن يصلوا قائمين في المجامع وفي زوايا الشوارع
لكي يظهروا للناس، الحق أقول لكم أنهم قد استوفوا أجرهم، وأما أنت فمتى صليت فادخل إلى مخدعك واغلق بابك وصل لإبيك الذي في الخفاء. فأبوك الذي في الخفاء يجازيك علانية.
- ومتى صمت فلا تكن عابساً كالمنافقين، فإنهم يُعبِّسون وجوههم لكي يظهروا للناس صائمين. الحق أقول لكم أنهم قد استوفوا أجرهم. وأما أنت فمتى صمت فادهن رأسك واغسل وجهك لكي لا تظهر للناس صائماً، بل لأبيك الذي في الخفاء فأبوك الذي ير ى في الخفاء يجازيك علانية.
ـ نحن نعلم كيف نصلي ونصوم. فقط جئنا لكي ننظر معجزات. إن لم تكن هناك اليوم معجزات فقل لنا حتى ننصرف إلى أعمالنا.
ـ ولماذا تريدون المعجزات؟
ـ نحن نريد أن نرى مجد الله! نريد أن نتعزى ونرى إظهارات الروح بقوة، أما الكلام عن الصوم والصلاة فهذا نعرفه جيداً!
ـ جيل شرير وفاسق يطلب آية ولا تعطى له آية إلى آية يونان النبي، لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال.
ـ ها قد عدت للألغاز! من هو ابن الإنسان هذا؟ وما معنى أن يكون في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال، ثم ما علاقة ذلك بسيدنا يونان؟
وانصرف بعض من الناس ولم يعودوا يتبعون يسوع من ذلك اليوم فصاعداً.
أما يسوع فاستمر يتكلم وقاد زادت حدّة غضبه
ـ حسناً قال فيكم الله على لسان إشعياء النبي " هذا الشعب يكرمني بشفتيه أما قلبي فمبتعد عني بعيداً وباطلاً يعبدونني وهم يفعلون أشياء هي وصايا الناس! ثم انصرف ولم يرد أن يكمل تعليمه.


......إلى اللقاء في الحلقة القادمة من مملكة الله

هناك تعليقان (٢):

كنت مثلية و الآن مشفية يقول...

انه الزيف الذى ملأ مجمعنا وكنائسنا و بيوتنا بل انفسنا ايضاً ..

غير معرف يقول...

The way you 're relating the past to the present is brilliant ... and so spontaneous ... what a talent ..
I liked much the part when jesus was talking to the crippled clarifying how he should believe and take an action and when JESUS asked him to come back and carry his own responsibilties and be effective again !
Praying that our churches all over the world would wake up and go out to the needs accumulated in every society ... may Jesus help us to put our faith into action take our responsibilities ,so we would be a fruitful tree.... Amen
thanks
n.s.

 
google-site-verification: google582808c9311acaa3.html