الخميس، ٨ أبريل ٢٠١٠

التلاميذ يتزايدون


16
صرخت صفورة صرخة اهتزت لها قانا كلها إذ ظنت أن عريسها سمعان قد مات فوضع يسوع يده على كتفها ليهدئها:
ـ لا تخافي يا صفورة. لم يمت!
مَدّ يسوع يده ووضعها على ظهر سمعان الملقى على الأرض وأغمض عينيه وراح يصلّي. بعد لحظات بدأ سمعان يتحرك ثم بالتدريج همَّ واقفاً ونظرات الدهشة بادية على وجهه المنتفخ المليء بالكدمات الحمراء والزرقاء.
ـ أنا سعيد أنهم أطلقوا سراحك أخيراً يا سمعان مع أنهم أخذوك للصحراء وتركوك هناك لتعود إلى بيتك في هذه الحالة من الإعياء.
ـ كيف عرفت هذا يا سيدي؟ ثم.  من أنت؟  أظنّ أنني أعرفك!
ـ هل نسيتني يا سمعان؟  أنا يسوع الناصري.
ـ يسوع!  نعم!   آه.. كنت أتمنى أن أراك منذ زمن طويل. لقد ذاع صيتك كثيراً هذه الأيام في كل المنطقة. لم يكن أحد يصدقني عندما أقول أنني لعبت معك في الحارة عندما كنا أطفال. عذراً سيدي!
ـ لا تعتذر يا سمعان يا صديقي. أنا فخور بصداقتك. لقد كانت أيام جميلة. هل تذكر عندما لعبنا ذات يوم ولطخنا ملابسنا بالطين ورفضت أن تذهب إلى بيتك إلا بعد أن نذهب أنا وأمي معك كل لا تضربك أمك؟
ـ نعم                قال سمعان ضاحكاً
ـ كيف حال والدتك؟
ـ هي بخير. لا تزال تسكن في منزلنا القديم حيث حضرتَ عُرسنا. هل تذكر؟  المهم. أنا سعيد جداً لرؤيتك.   إننا  نُعلِّق آمالاً كبيرة عليك يا يسوع،  ولكننا لا نفهم لماذا تضيع وقتك في التعليم وفي شفاء المرضى. المرض الحقيقي الذي نحتاج لأن نشفى منه كلنا هو الاحتلال الروماني والحكومة الفاسدة الموالية للغرب.  العودة للتوراة هي الحل لكل مشكلاتنا والتخلص من الحكم الروماني هو الأمل الذي يراودنا جميعاً لنسترد كرامتنا السليبة. لا بد أن تتحرر القدس من نجاسة الرومان!  لقد انقسمنا بشأنك، ولكن للأسف، فَقَدَ أغلب الغيورين إيمانهم بأنك أنت المخلص الآتي.
ـ سمعان أنا أعلم أنك تبحث عن الحقيقية
ـ نعم
ـ سمعان. إنني أدعوك أن تكون من تلاميذي
وقف سمعان وكأن شيئاً ما حل عليه واغرورقت عيناه بالدموع واحتضن يسوع وبكا بكاءاً شديداً في حضن يسوع كطفل وجد أباه الذي كان يبحث عنه منذ سنين.
كان تلاميذ يسوع يندهشون كثيراً من التأثير الذي تحدثه دعوة يسوع. كأن هذه الدعوة تدخل إلى ما هو أعمق من عقل من يسمعها، فلا يستطيع إلا أن يستجيب لها وكأنها قَدَرُه الذي كان ينتظره منذ أو وُلِد.

قضى يسوع وتلاميذه الليلة ضيوفاً على سمعان القانوي وفي الصباح عندما علمت قانا أن يسوع يبيت في بيت سمعان جاءت المدينة كلها إلى بيت سمعان، فخرج يسوع إلى ساحة المدينة واجتمعت المدينة كلها هناك وقضى يسوع النهار كله يعلم ويشفي وكان تلاميذه حوله يحمونه من تدافع الجموع لكن كان البعض يلقي بنفسه عليه فقط ليلمسه فيشفى.
في صباح اليوم التالي هم يسوع وتلاميذه بمغادرة قانا عائدين إلى كفر ناحوم وقد زاد التلاميذ واحداً هو سمعان القانوي (الغيور سابقاً) هو وزوجته صفورة.

عندما عاد يسوع وتلاميذه إلى كفر ناحوم وجدوا  بعضاً من أقاربهم يزورون أمه مريم التي مكثت بالبيت. كان هؤلاء الأقارب هم عم يسوع (أخو يوسف) وكان يدعى بالآرامية حلفي (وباليونانية كان يسمى هالافاي أو كالافاي أو اختصاراً "كلوبا") وزوجته مريم وولديهما يعقوب ويهوذا تدّاوس (الملقب أيضاً لبّاوس).
كان لهذه الزيارة أثراً بالغاً في يسوع فهذا أول اتصال له بعمه منذ أن وُلِد.  كان حلفي من أشد المعارضين لزواج يوسف من مريم ولذلك قام بمقاطعة يوسف حتى مات لأنه رأى أنه لطخ سمعة العائلة في الطين بزواجه من هذه الزانية المخادعة التي تدعّي أنها حبلت وهي عذراء. لكن ظلت مريم زوجة حلفي على علاقة سر ية بمريم أم يسوع فهن صديقات منذ الطفولة وكانت هذه الصداقة هي السبب وراء ترشيحها لمريم للزواج من أخي زوجها يوسف بعد أن تأخر زواجه حتى تجاوز الخمسين من عمره بسبب زهده عن الحياة الدنيوية وتكريسه أغلب وقته للصوم والصلاة والحياة المتقشفة.
لقد كان يوسف يتبع تقليد الآسينيين في الإنعزال عن العالم،  ولكن بصورة غير رسمية وغير كاملة فقد كان لا يزال  يمارس نشاطه في دكان النجارة لكنه لم يكن يعمل بصورة منتظمة وكان يقضي أغلب وقته في الدكان يصنع محاريث وفؤوس يبيعها بنصف الثمن المعتاد أو حتى يمنحها بالمجان للفلاحين الفقراء الذين لم يكن لديهم المال الكافي بعد أن يقوم عشاروا بنك التسليف الزراعي بالقضاء على كل ثمن محصولهم وتسليفهم بالفائدة الكبيرة لشراء البذور لمواصلة الموسم الزراعي.
كانت مريم زوجة حلفي تدرك أن مريم، لكونها فتاة تقية زاهدة في العالم هي الأخرى لا تهتم كثيراً بالزواج من شاب صغير، لذلك كان من الممكن أن ترضى بخطبة يوسف والحياة معه خاصة بعد أن تدهورت صحته وتوفت أمه وأصبح في حاجة لمن يشاركه حياته.

ظلت القطيعة قائمة حتى وفاة يوسف ونزوح يسوع وأمه من الناصرة إلى كفر ناحوم، لكن ما كان حلفي وأسرته يسمعونه عن مجد الله الذي يحدث على يدي يسوع من شفاء عمي وبرص ومفلوجين وإخراج شياطين وإقامة موتى جعلهم يقولوا، كما كانت تقول كل فلسطين في ذلك الوقت، أن هذا نبيّ لم يقم مثله في إسرائيل ولن يقوم. لذلك شعر حلفي وزوجته بالذنب لأنهم ظلموا مريم ويسوع وظنوا فيهما الظنون. لقد أصبح من الأسهل عليهم الآن تصديق أن يسوع ليس شخصاً عادياً لذلك لم يكن بالمستغرب أن يدخل إلى الدنيا بتلك الطريقة المعجزية.

عندما دخل يسوع ووجد أمه جالسه مع عمه حلفي وزوجته مريم وابنيهما يعقوب ويهوذا هرع ليحتضن عمه وزوجته عمه وابنيهما. تعجب حلفي لكونه عرفهم فهو لم يرهم مطلقاً من قبل.
قال حلفي باكياً:
ـ حقاً يا ولدي أنت ابن الله!
ـ أشكر الله يا عمي أن الله قد فتح أعينكم
ونظر إلى يعقوب ويهوذا تداوس ابني عمه وقال:
ـ هلموا ورائي ننادي بملكوت الله!
قال يعقوب:
ـ لقد كنا نشعر بقوة غريبة تحركنا للمجيء إليك يا يسوع، وها نحن الآن نعرف أن الله يريدنا أن نكون معك. سوف نترك كل شيء ونتبعك!
ثم قالت مريم زوجة حلفي وهي تحاول أن تكفكف دموعها:
ـ هذا هو اليوم الذي كنت أنتظره طوال ثلاثين سنة. لقد كنت اؤمن بعمل الله فيك يا يسوع وكنت أصدق ميلادك من الله، لكن لم تكن لدي الشجاعة للبوح بذلك. لقد كنت أصلي أن يجمعنا الله معاً، وهذا ما حدث. الآن نحن لم نعد فقط لبعضنا البعض كأسرة، لقد عدنا إلى الله وها نحن نشاهد بعيوننا افتقاد الله لشعبه.
قال يسوع:
ـ سوف ترين ما هو أعظم من ذلك حين أمضي.
نظرت مريم زوجة حلفي لمريم أم يسوع باستغراب لأنه لم تفهم ما قاله يسوع، لكن مريم أم يسوع نظرت إليها بابتسامة وربتت على ركبتها قائلة:
ـ مريم يا أختي لا تحاولي أن تفهمي كل ما يقوله يسوع، فهو يقول أشياء غريبة تعلّمنا أن نقبلها كما هي ثم نفهمها فيما بعد!
ثم قال حلفي بلهجة عملية حاسمة:
ـ سوف لن نعود للناصرة، سوف نظل معكم، نحن جميعاً تلاميذك يا يسوع.  سنسير كلنا خلفك، لقد بعنا كل ما لنا في الناصرة وسوف نعيش معكم هنا في كفر ناحوم وكل ما نملك سنضعه تحت تصرفك أنت وتلاميذك وسوف نعيش معاً.


هكذا يتزايد عدد التلاميذ حول يسوع و تقف كل المنطقة على أطراف أصابعها لتشاهد ماذا يحدث عندما تتلامس السماء مع الأرض وتتطابق مشيئة الله في السماء مع مشيئته على الأرض. هذا ما سوف نتابعه في الحلقة القادمة من .. مملكة الله



هناك تعليق واحد:

كنت مثلية و الآن مشفية يقول...

"وقف سمعان وكأن شيئاً ما حل عليه واغرورقت عيناه بالدموع واحتضن يسوع وبكا بكاءاً شديداً في حضن يسوع كطفل وجد أباه الذي كان يبحث عنه منذ سنين."

هذا حال كل من يبحث عن الله حتى و ان كان باستخدام العنف .. ما اروع محبة الله الذى يرى ما بالداخل و يعلم ان وراء كل سيف قلب جائع يبحث عنه. يا رب اعطى لنا ان تنفتح عيوننا و نرى ما تراه فيمن حولنا.

 
google-site-verification: google582808c9311acaa3.html