الأحد، ٤ أبريل ٢٠١٠

سمعان يبحث عن الله..والله يبحث عنه

15

انطلق الرجال السبعة سيراً على الأقدام يمسك كل منهما بعصاه ولا يحمل معه زاداً للطريق إلا قلباً متعلقاً بالله وإن لم يفهم الكثير مما يقوله يسوع. كانت وجهتهم هذه المرة هي قرية قانا في الجليل والتي تقع على بعد نحو ثمانية أميال شمال الناصرة.
من وسط الأحايث المتبادلة بينما كانوا يمشون معاً، ظهرت عبارة يسوع:
ـ يارفاق، سوف ننزل عند سمعان الغيور.
ـ هل هو من الغيورين؟
ـ نعم يا بطرس هو كذلك
ـ اسمح لي يا معلم، هل من المناسب أن ننزل في بيت واحد من هؤلاء. أنت تعلم أن الغيورين رجال عنف وإرهاب ولديهم جناح عسكري ينفذ الاغتيالات في رجال الدولة. ثم أضاف يوحنا، إنهم يريدون أن يحققوا ملكوت الله بالقوة من خلال العنف والإرهاب.
ـ لقد تربيت مع سمعان في الناصرة وكانت أمه صديقة لأمي، ثم بعد أن ذهبوا ليقيموا في قانا كنا نزورهم بين الحين والآخر. حتى أننا ذهبنا لحفل زفافه في قانا منذ سنة.
ـ هل هو ذلك الحفل الذي يُقال أنك حولت فيه الماء إلى خمر؟
ـ نعم
ـ عفواً، اسمح لي أيها المعلم الصالح أن أسألك سؤالاً، فأنت عودتنا دائماً أن نتساءل ونبوح بما في قلوبنا حتى وإن كان اعتراضاً!
ـ تفضل يا نثنائيل على الرحب والسعة.
ـ كيف تحول الماء إلى خمر وسفر الأمثال يقول: " لا تنظر إلى الخمر! "
ـ أحييك على حفظك للكتاب يا نثنائيل، لكن القضية ليست في الخمر في حد ذاته وإنما القضية هي في العين التي تنظر إلى الخمر والقلب الذي يتعلق به ويبحث فيه عن السعادة بينما السعادة هي في معرفة الله. وليست الخمر فقط بل المال أيضاً والجنس والشهرة والنجاح. كل هذه الأشياء من الممكن أن تتحول بسبب القلب المريض البعيد عن الله إلى آلهة تتسلط علينا.
ـ سمعت أيضاً أنك قلت للخدم عندما نفذ الخمر أن يملأوا أجران الوضوء بالماء ثم حولته إلى خمر. أعذرني سيدي، ألا تعتبر هذه إهانة للدين؟
ـ أنا لم أقصد أن أهين الدين فأنا أيضاً يهودي ورجل دين، لكن الوضوء والغسل ككل الطقوس والتقاليد، لم تكن إلى رموز تشير إلى الحقيقة. لقد أردت أن أقول أن الطهارة الحقيقية هي طهارة القلب والتي تظهر من خلال محبة الله والبشر والتعلق بالخير والحق والجمال. لم يكن الوضوء في ديننا اليهودي قبل الصلاة أو قبل الطعام إلا إشارة جسدية لهذه الحقيقة الروحية. أما الآن فقد حان الوقت لكي يختبر الإنسان الطهارة الحقيقية فليس ينجس الجسد تراباً أو عرق أو إفرازات، وإنما ما ينجسه هو الكبرياء والتعالي والتصلف، ومن سخريات الحياة أن يكون الدين نفسه وسيلة للكبرياء والتعالي وتقسيم الناس إلى أناس أفضل وأنا أقل.
عزيزي سمعان، لا يدنس جوف الإنسان ما يدخل إليه من أنواع طعام كلحم الخنزير أو الأطعمة البحرية غير الطاهرة أو أكل اللحوم مع منتجات الألبان و غير ذلك من طقوس الأكل اليهودية. كل هذه تدخل إلى الجوف ثم إلى الخلاء وهذا يطهر كل شيء. إن ما ينجس الإنسان فعلاً هو ما يخرج منه، من كلمات تجرح وأفعال تهين الإنسان. لقد قصدت أن أعلن أن زمن الرموز انتهى وجاء زمن الحقيقة
ـ نعود لسمعان القانوي والغيورين، ما رأيك يا معلم فيهم وفيم يفعلون؟
ـ بالطبع أنا لا أؤمن بنشر الإيمان بحد السيف فما أُخِذ بالسيف بالسيف يؤخذ، والدولة القوية في عصر، تكون ضعيفة في عصر آخر وتشكو من نفس كأس الظلم والهوان التي سقته لغيرها في وقت سابق. لكنني أحب سمعان وأرى أنه يبحث عن الله والله أيضاً يبحث عنه.

قاربت الشمس على المغيب عندما دخل يسوع وتلاميذه قانا الجليل، حيث قادهم يسوع إلى منزل سمعان الغيور. طرق يسوع الباب، لم يفتح أحد، ثم طرق مرة أخرى. وبعد الطرقة الثالثة فُتِح الباب وظهرت امرأة شابة خائفة.
ـ السلام لكم يا سيدتي
ـ ولكم السلام. من؟ ..من أنتم؟
ـ نحن أصدقاء لسمعان جئنا من كفر ناحوم، هل هو موجود؟
ـ ألستم تعرفون، سمعان في السجن منذ ثلاثة شهور! لقد قام الحزب الحاكم بحملة اعتقالات لقيادات الغيوريين لكي يمنعهم من خوض الانتخابات النيابية القادمة. أقصد.. هذا.. هذا ما يقوله الناس.. لست أدري!
ـ أعرف ذلك، ولكنني أعرف أيضاً أنه سوف يخرج الليلة، لذلك جئت مع تلاميذي لنقابله.
ـ تلاميذك؟ ....أنت معلم دين إذاً؟
ـ نعم أنا يسوع الناصري. لقد حضرت زفافك منذ عام. ألا تذكرينني؟
ـ يسوع! آه.. نعم ..أ. لـ.. لقد تغيرت كثيراً يا معلم! بالفعل، لقد باركت زفافنا وكان زفافاً سعيداً بحضورك المبارك. لكن.. أنا خائفة جداً على سمعان فهو مُتَّهم في اغتيال أحد رجال الحزب الهيرودسي في قانا وأخشى أن يعدموه.
ـ لا تخافي. لن يموت!
بعد أن دعت صفورة زوجة سمعان التلاميذ للدخول وأعدت لهم مائدة العشاء قصت لهم باكية الكثير عن حياتهما وعن سمعان الذي كان يغيب عنها بالأسابيع الطويلة في مهام تكلفه بها الجماعة وكيف كانت تحاول أن تثنيه عن انخراطه في هذا الطريق، لكن بلا جدوى.
سمع الجميع طرقاً على الباب فراحت صفورة تفتح الباب وإذا به سمعان يدخل ويظهر عليه الإعياء الشديد. وفجأة سقط على الأرض أمام الجميع وظن الجميع أنه مات!
ماذا حدث لسمعان الغيور وما هي التطورات المثيرة التي سوف تحدث في حياته؟ هذا ما سنعرفه في الحلقة القادمة من مملكة الله.

هناك تعليق واحد:

راما يقول...

إهداء :

إنني قررت أن أدخل

في حربٍ مع القبح ..

ولا رجعة عن هذا القرار ..

فإذا لم أستطع إيقاف جيش الروم

أو زحف التتار

وإذا لم أستطع أن أقتل الوحش

فحسبي أنني

أحدثت ثقباً في الجدار

 
google-site-verification: google582808c9311acaa3.html